28 - 06 - 2024

اقرأنى لترانى| اليأس خيانة!

اقرأنى لترانى| اليأس خيانة!

 فى أيامنا المعتمة هذه أصبح سعر الأمل باهظا، يأخذ من روحك ومن نفسك طاقة دائمة لكى يظل موجودا حتى  ولو مثل الشعلة الخافتة للمبة الجاز فى طرقات بيوتنا فى الستينيات والسعينيات، قبل وصول كشافات الصين التى تٌشحن بالكهرباء، كان عليك ملؤها بالجاز حتى تظل مشتعلة، تطفئها نهارا وتعيد إشعالها ليلاً فتصبح "الوناسة" التى تؤنس حلكة الليل على السهرانين والظمآنين ومقيمى الليل، الفرق بين لمبة الجاز وبين الأمل فى وقتنا الحالى أنه لاتوجد عندك رفاهية أن تطفئ الأمل نهارا، لو انطفأ لحظة واحدة ستهجم عليك وحوش شرسة، بعضها مألوف محلى وبعضها أجنبى لانفهم له لغة ولم نرَ له كاتالوج، المهم أن نور الأمل فى طرقات نفوسنا المظلمة لابد وأن يظل مفتوحا حتى ولو ارتعش من الخوف أو بهت نوره وضَعٌف، فهو أفضل من حلكة اليأس ووحشة الخوف من المستقبل، بل أفضل من حيرة الحاضر والأرض الهشة تحت أقدامنا.

انتهت بالنسبة لى على الأقل طمأنينة الحياة وهدوئها، حين كان لكل شىء معنى واحد، والناس أنماط إما شرير أو خيّر، حين كانت الفرحة واضحة ومحددة، والشعور القومى إما موجود أو غير موجود، انتهت أيام كنت أغنى فيها لبلدى على مسرح المدرسة الابتدائى أو أقرأ فيها أخبار الصباح فى ميكروفون الإذاعة المدرسية المتهالك أو أحيى العلم صباحا كل يوم بحماسة حقيقية بعيدة عن تأدية الواجب وأنا أراه يرفرف فى أرض فناء المدرسة، أيام ولت ولن تعود، ومدارس كانت للتعليم الحق اختفت وحلت محلها ساحات معارك فى المدارس الحكومية أو محلات تجارية فى المدارس الخاصة، وأصبح أن تلتقى بمدرس ذو ضمير حق مثل إيجاد بيضة ديناصور منقرض وكأن الثلاثون عاما الماضية كانت ممنهجة لإفساد البلد على المدى البعيد بإفساد التعليم.

انتهت أيام إعلام الدولة التقليدى الروتينى، انفتحنا لكل الآراء وامتلأت السموات بكل الألوان وهللنا للحرية واكتشفنا أن لكل لسان خطة وهدف وسند برأى ومزاج خاص ونتائج مرجوة محددة، وبات أن تجد صوتاً نقياً ينادى بالفعل بالمصلحة العامة ويسمحون له بالاستمرار مثل أن تجد بيضة طائر الرخ وكأن الثلاثون عاماً الماضية تم التخطيط لها لإفساد الإعلام.

انتهت أيام أوهام التصديق فى شعارات كتب المواد الاجتماعية عن التكامل العربى والدفاع العربى وكل الشعارات البراقة بالعربى، لا يواجهنا سوى الواقع الأليم الذى صار واضحاً وضوح الليل الحالك لا التباس فيه.

لكن برغم كل النهايات المعلنة لا نملك إلا الحفاظ على الأمل، ولو فى صورة وناسة، لو استسلم أى منا لظلمة اليأس لأوقع بشبكة الأمل كلها، كل منا يغزل فيها خيطاً بشعلة الأمل بداخله، ويغزلها مع خيط أخيه وسقوط أى من أطرافها يضعفها أمام العتمة ويعرض الجميع للسقوط فى براثن الوحوش، قالها د. نصر أبو زيد رحمة الله عليه حين كان يواجه ظلمة جهل العقول وظلم الاضطهاد:"اليأس خيانة"، خيانة للمجموع ووقوع للفرد، قالها المولى عز وجل من قبل الجميع، "إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"، ولعل التمسك بالأمل هو جهادنا الحقيقى، لعل إصلاح أنفسنا وما حولنا ولو كان هذا بالسنتيمترات هو ما خٌلقنا من أجله بالفعل، لعل البقاء الشجاع الآمل هو أفضل ما نهديه للبشرية فى الوقت المتاح لنا فوق الأرض، ولعل بقاء نور لمبة الجاز، "الوناسة" فى طرقات حياتنا المعتمة هو هدف فى حد ذاته، ألا ترونه قد أصبح أقوى الآن بالفعل؟ ألا تجدونه فى أنفسكم الآن أكثر وضوحاً من دقائق خلت؟ 

##

مقالات اخرى للكاتب

مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يطلق اسم الدكتور جلال الشرقاوي على دورته التاسعة





اعلان